العبودية في القرن الواحد والعشرين

العبودية في القرن الواحد والعشرين

    تذكر كتب التاريخ أن ظاهرة العبودية واسترقاق الإنسان لأخيه الإنسان قد وجدت في المجتمع البشري منذ القدم،ويعود السبب في ذلك إلى سيادة منطق القوة الذي أنتجته الحروب والصراعات وما يرافق الإنسان من حب السيطرة وشهوة الملك التي امتدّت عند أصحابها لتشمل نظراءهم في الخلق، وقد تكرس منطق الإسترقاق في حياة المجتمع البشري عبر آلاف السنين وأصبح ثقافة راسخة في تلك العهود وواقعاً داخلاً في منظومة الحياة الإجتماعية وشأناً من شؤونها،وتم تقسيم بني البشر وفق هذا الواقع الجديد   إلى أسياد وعبيد،وهذا  ما يظهر أيضاً من مراجعة العهد القديم وغيره من الكتب الدينية.
ولتغيير ثقافة الإسترقاق والتمييز التي ترسّخت في الأذهان وتربت عليه شعوب وأجيال واجه الدين بشكل عام هذه الظاهرة من خلال تركيزه على المساواة بين بني الإنسان وأنهم قد ولدوا من ذكر وأنثى ومن نفس واحدة،وقد جاء في العهد القديم أن الله منذ البدء خلق الإنسان ذكراً وأنثى،وفي القرآن الكريم خاطب الناس بقوله تعالى(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وانطلاقاً من هذه المساواة بين بني البشر في الخلق تأتي المساواة بينهم في الحق،وقد ورد في الحديث(الناس سواسية كأسنان المشط)(وكلكم من آدم وآدم من تراب)وأنه لا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى.وقد ولدت من تعاليم المساواة هذه ثقافة جديدة رافضة للتمييز والإسترقاق تقول:متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا،ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً.
ووجهة نظرنا أن الأحكام والتّشريعات الواردة في أحكام العبيد والإماء وسبايا الحروب واعتبارهم من الأشياء التي يملكها الإنسان هي أحكام ظرفيّة فرضتها قوانين الحرب التي كانت سائدة في المجتمع البشري قبل الاسلام، وللتخلص من هذه الأوضاع الموروثة فتح الإسلام أبواب الحرية لهم عبر إيجابه تحرير الرّقاب من العبودية والرّق في موارد عديدة وعبر تشجيعه على العتق التطوّعي بتعليماته العديدة المتضمنة للقول ( من أعتق عبداً أعتقه الله من النّار).
وقد تطورت النظرة إلى مواطني الدولة الإسلامية واعتبارهم رعايا متساوين في الحقوق الإنسانية وفي وجوب المحافظة عليهم كما جاء في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر عندما ولّاه على مصر التي كانت تجمع بين المسلمين والمسيحيين حيث جاء فيه:
(...وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم والعطف عليهم واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق).
ونحن نرى أن ما ذكره الفقهاء في الأبواب الفقهية المختصة بأحكام العبيد والإماء والسبايا أصبحت بحكم المنسوخة لأنه لم يعد لها من موضوع في حياة المسلمين، وقد انتهت بانتهاء ظروفها،ولذلك فإننا ندعو المرجعيات الدينية لمكافحة ما نسمعه في القرن الواحد والعشرين من بقاء لهذه الظاهرة في بعض الأوساط المتخلّفة بالتداعي إلى إصدار الفتاوى التي تحرم امتلاك الإنسان لأخيه الإنسان.
(العلامة السيد علي الأمين)